فصل: 184- باب استحباب الاجتماع عَلَى القراءة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.184- باب استحباب الاجتماع عَلَى القراءة:

1023- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بينهم، إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: استحباب الاجتماع على القراءة لما فيه من تعظيم القرآن، وإظهار شعاره بتكثير مجالسه، وخصوصًا المساجد، لأنها أفضل المواضع وأشرفها.
وفيه: فضل مدارسة القرآن، ولهذا كان جبريل يلقى النبي صلى الله عليه وسلم فيدارسه القرآن.
وفيه: بيان ثواب المجتمعين لقراءة القرآن، وأعلاه ذكر الله لهم فيمن عنده من الملائكة قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وقال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].

.185- باب فضل الوضوء:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مَا يُريدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا أرادوا القيام إلى الصلاة وهم محدثون أن يتوضؤوا، فيغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، فيدخلوها في الغسل، ويمسحوا برؤوسهم، ويغسلوا أرجلهم، وإن كانوا جنبًا أن يغتسلوا، وإن كان أحدٌ منهم مريضًا يخاف ضررًا من استعمال الماء كفاه التيمم، أو كان مسافرًا وخاف العطش جاز له التيمم.
وقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}، أي: جامعتموهن {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}، أي: طاهرًا، {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [المائدة: 6].
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ. متفق عليه.
{مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}، أي: ضيق، {وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} من الأحداث والذنوب: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] نعمته فيزيدها عليكم.
1024- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
الغرة: في الوجه، والتحجيل: في اليدين والرجلين.
قال الحافظ: وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «محجلين» من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور أيضًا.
1025- وعنه قَالَ: سَمِعْتُ خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوُضُوءُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: التحريض على إطالة الغرة والتحجيل، وإطالة الغرة: أن يغسل جميع وجهه طولًا وعرضًا. وإطالة التحجيل: أن يغسل يديه حتى يشرع في العضدين، ويغسل رجليه حتى يشرع في الساقين.
1026- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: الحثُّ على الاعتناء بتعلم شروط الوضوء وسننه وآدابه، والعمل بذلك.
1027- وعنه قَالَ: رَأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأ هكَذَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجدِ نَافِلَةً». رواه مسلم.
صفة الوضوء الذي ذكره عثمان، أنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثًا، ثم قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا». ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه». رواه البخاري ومسلم.
وفيه: الحث على دفع الخواطر المتعلقة بأشغال الدنيا وجهاد النفس في ذلك، والترغيب في الإِخلاص، وقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114، 115].
1028- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ- أَو المُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ المَاءِ، أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم.
المراد بتكفير الخطايا هنا الصغائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
1029- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة، فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَومٍ مُؤْمِنِينَ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أنَّا قَدْ رَأَيْنَا إخْوانَنَا». قالوا: أوَلَسْنَا إخْوَانَكَ يَا رسول الله؟ قَالَ: «أنْتُمْ أصْحَابِي، وَإخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأتُوا بَعْدُ». قالوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: «أرَأَيْتَ لَوْ أنَّ رَجُلًا لَهُ خَيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «فإنَّهُمْ يَأتُونَ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الحَوْضِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: جواز تمني الخير، ولقاء الفضلاء. وليس في هذا الحديث نفيًا لأخوة الصحابة، ولكن ذكر مزيتهم بالصحبة. أي فأنتم أخوة صحابة والذين لم يأتوا بعد ليسوا بصحابة قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وفيه: بشارة لهذه الأمة بأن واردهم إلى الماء هو محمد صلى الله عليه وسلم. والفرط: هو المتقدم إلى الماء، قال الله تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} [يوسف: 19]. والحوض: الكوثر.
1030- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألا أَدُّلُكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ؛ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ؛ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
إسباغ الوضوء في المكاره: إتمامه في نحو برد وقلَّة ماء، وأصل الرباط، الحبس على الشيء، فكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة.
وفي الحديث: استحباب إسباغ الوضوء، والتردد إلى المسجد، واستحباب الجلوس فيه للعبادة.
1031- وعن أَبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ». رواه مسلم.
وَقَدْ سبق بطوله في باب الصبر.
قوله: «الطهور شطر الإيمان»، أي: نصفه، لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرةٌ، وباطنةٌ. فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. وقد جمع ذلك في حديث عمر بن الخطاب كما سيأتي.
وفي البابِ حديث عمرو بن عَبَسَة رضي الله عنه السابق في آخر باب الرَّجَاءِ، وَهُوَ حديث عظيم؛ مشتمل عَلَى جمل من الخيرات.
الشاهد من حديث عمرو بن عبسة: (فقلت: يَا رسول الله، فالوضوء حدِّثْني عنه فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويستنشق، ويستنثر، إلا خرت خطايا وجهه، وفيه، وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمر الله، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإنْ هو قام فصلَّى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه».).
1032- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلغُ- أَوْ فَيُسْبِغُ- الوُضُوءَ، ثُمَّ يقول: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». رواه مسلم.
وزاد الترمذي: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ».
جمع في هذا الحديث بين طهارة الظاهر بالوضوء، وطهارة الباطن بالتوحيد، وسؤال التوبة، والتطهر من الذنوب والآثام، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن ثواب هذا العمل دخول الجنة من أي أبوابها شاء، وبالله التوفيق.

.186- باب فضل الأذان:

1033- عن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصَّفِ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
«الاسْتِهَامُ»: الاقْتِرَاعُ، وَ«التَّهْجِيرُ»: التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلاةِ.
قوله: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول»، أي: من الخير والبركة. «ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه»، أي: على ما ذكر من الأذان والصف الأول.: «لاستهموا عليه»، أي: اقترعوا.
قال العلماء: في الحض على الصف الأول، المسارعة إلى خلاص الذمة والسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكن قدَّامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين، والصف الأول عند الكعبة هو الذي يلي الإمام على الصحيح، وإن كان أبعد من الكعبة.
1034- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْناقًا يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم.
قوله: «أطول االناس أعناقًا»، قال النضر بن شميل: إذا ألجم الناسَ العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم، لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق.
وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق.
1035- وعن عبدِ الله بن عبدِ الرَّحْمنِ بن أَبي صَعصعة: أنَّ أَبَا سَعيد الخدريَّ رضي الله عنه قَالَ لَهُ: «إنِّي أرَاكَ تُحبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإذَا كُنْتَ في غَنَمِك- أَوْ بَادِيتِكَ- فَأَذَّنْتَ للصَّلاَةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ، وَلاَ إنْسٌ، وَلاَ شَيْءٌ، إِلا شَهِدَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعيدٍ: سمعتُهُ مِنْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري).
في هذا الحديث: دليل على استحباب أذان المنفرد ورفع الصوت بالنداء، وعند أبي داود من حديث أبي هريرة: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ»، والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلوّ الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قومًا فكذلك يكرم بالشهادة آخرين.
وفيه: أن حب الغنم والبادية ولاسيما عند نزول الفتنة، من عمل السلف الصالح.
1036- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِيَ بالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأذِينَ، فَإذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا واذكر كَذَا- لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُر مِنْ قَبْلُ- حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى». متفقٌ عَلَيْهِ.
«التَّثْوِيبُ»: الإقَامَةُ.
في هذا الحديث: بيان فضيلة الأذان وأنه يطرد الشيطان، وفي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: «إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلاةِ».
قال ابن الجوزي: على الأذان هيبة يشتدّ انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به بخلاف الصلاة، فإِنَّ النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة.
قال ابن بطال: يشبه أن يكون الزَّجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذِّن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبِّهًا بالشيطان، الذي يفرّ عند سماع الأذان. والله أعلم.
1037- وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإنَّه مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ؛ فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أنْ أكونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: استحباب مجاوبة المؤذن بمثل ما يقول في كل كلمة من الأذان إلا الحيعلة فيقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، كما في حديث معاوية.
وروى النسائي من حديث أمِّ حبيبة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول مثل ما يقول المؤذن حتى يسكت.
قال الطيبي: معنى الحيعلتين: هلمَّ بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلًا، والفوز بالنعيم آجلًا، فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته.
فيه: استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له بالوسيلة.
1038- وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا كَمَا يَقُولُ المُؤذِّنُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1039- وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ، وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري.
المقام المحمود: هو شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل في القضاء بين خلقه حين يتأخر عنها آدم وأولوا العزم من الرسل.
1040- وعن سعدِ بن أَبي وقَّاصٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أنْ لا إلَه إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالإسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: فضيلة هذا الذكر إذا سمع الأذان.
1041- وعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ لا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
في هذا الحديث: الحث على الدعاء بين الأذان والإقامة، وأن هذا الوقت من أوقات الإجابة.